ربيع الأول الوضَّاء

 

 

 

محمد بن رامس الرواس

 

أقبل علينا شهرُ ربيعٍ الأوّل حاملًا معه ذكرى عطرة وضيئة، ذكرى ميلاد سيّد البشر، نبيّ الرحمة والإنسانيّة، سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم. إنّها ليست مجرّد مناسبة عابرة أو قصّة تُروى، بل هي دعوة صادقة للتدبر في بحر السيرة النبوية الشريفة، تلك السيرة التي هي منهج شامل لصناعة الحياة وبناء الإنسان.

وتُعَدّ السيرة النبوية نقطة تحول كبرى في تاريخ البشرية، نقلت البشرية من ظُلمةِ الجهل إلى نورِ العلم، ومن قهرِ العبوديّة إلى سَعةِ الحريّة. لقد جاء النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يحمل رسالة لم تقتصر على الجانب الروحي فحسب؛ بل شملت كل مناحي الحياة، فأسّس مجتمعًا متماسكًا قوامه العَدل والرّحمة والأخوّة.

وأوّلها منهاج الأخلاق، فقد كانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم تجسيدًا حيًّا للقرآن الكريم، فكان قدوة في الصِّدق والأمانة والوَفاء والتواضع، وسائر فضائل الأخلاق وأعلاها، حتى قبل أن يُبعث عليه الصلاة والسلام. ومن سيرته نتعلّم أن القيم والمبادئ ليست مجرّد شعارات، بل هي ممارسات يوميّة تُبنى بها المجتمعات وتتقدّم وتسود وتنتصر. لقد كان عليه الصلاة والسلام حليمًا على الجاهل، رحيمًا بالضعيف، عادلًا مع القريب والبعيد، حتى نال الشهادة الإلهيّة من الجليل المنّان: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

وكان عليه الصلاة والسلام قائدًا ربّانيًّا؛ إذ لم يكن نبيًا فقط، بل كان قائدًا فذًّا، وإداريًا حكيمًا، ومُعلِّمًا، ومُربِّيًا. وقد بنى دولة الإسلام، وأرسى قواعد أوّل دستور إسلامي، ونظّم العلاقات بين الناس على اختلاف دياناتهم. ومن خلال سيرته في مكّة ثم في المدينة نتعلّم فنّ الإدارة، وحكمة حلّ الأزمات، والقدرة على بناء المجتمعات لنعيش بسلام آمنين مطمئنين.

إنَّ سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام تُعَدّ مصدر إلهام للبشريّة جمعاء، وليس للمسلمين فحسب؛ إذ تُعلِّمنا الصَّبر في الشدائد، والثبات على المبدأ، والجهاد من أجل الحق. فسيرته سرد لنجاح تجاوز حدود الزمان والمكان، والسيرة النبويّة الشريفة تُرينا كيف أنّه -صلى الله عليه وسلم- بفضل إيمانه وتضحياته غيّر مجرى التاريخ.

إنَّ التمسّك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم هو التمسّك بطريق الفلاح والنّجاح، فكما إن القرآن الكريم هو دستورنا الأعظم، فإن سيرة المصطفى هي التطبيق العملي لهذا الدستور، وهي البوصلة التي تهدينا إلى أفضل وأرقى سُبل العيش الكريم.

وختامًا… في هذا الشهر المبارك علينا أن نستحضر سيرة نبيّنا العطرة لا بالاحتفال وحده، ولا بقراءة السيرة النبويّة في الموالد التي تتعطّر بها المجالس وتتبارك، ولكن أيضًا بالتأمّل في دروسها، وتطبيق قِيَمها ومبادئها وسموّ معانيها وفضائلها، والسير على خُطاها.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدِنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا من السائرين على نهجه، المتمسّكين بسنّته، والعاملين بما جاء به من ربّ العالمين.

الأكثر قراءة